احتفال المصريين بشهر رمضان المبارك .. له طابع خاص عن اى بلد بالعالم




تختلف مظاهر احتفال المصريين بشهر رمضان المبارك باختلاف الزمن وتباين الظروف، ورغم تراجع الاحتفاء بالشهر الكريم عما كان في أزمنة مضت، إلا أنه يظل واحداً من أبرز ما يتميز به هذا الشعب.
الفانوس وموائد الرحمن
وعبر عصور اختلفت مظاهر احتفال المصريين وعاداتهم الرمضانية، وإن تحولت بعض المظاهر القديمة إلى عادات دائمة مرتبطة بالشهر الكريم، كما احتفظت آثار مصر الإسلامية بأحيائها ومساجدها العتيقة؛ لكونها جوهرة هذا الشهر في كل عام.
ففي رمضان ترتدي مصر الفاطمية ثوباً من المصابيح الملونة، وتعج الشوارع بالموائد التي تستقبل ضيوف الرحمن، وفي المساء تمتد السهرات الرمضانية حتى مطلع الفجر، وفي العصر الفاطمي كانت المساجد تضاء بالقناديل، وتفرش بالجديد من الحصر، وكانت الدولة تخصص مبلغاً من المال لشراء البخور الهندي، والكافور، والمسك، الذي يصرف لتلك المساجد.
وخلال الشهر الفضيل كانت تقام أسواق؛ منها سوق الشماعين بمنطقة النحاسين، وهو واحد من أهم الأسواق خلال القرنين الثامن والتاسع الهجريين.
ولا تزال مصر متمسكة بتعليق الزينة في الشوارع طيلة أيام الشهر، الذي يتميز عن غيره من الشهور بأنواع من الحلوى؛ مثل القطايف، والكنافة، إضافة إلى موائد الرحمن التي تنتشر بكثرة، ويعد الخليفة الفاطمي، العزيز بالله، أول من عمل مائدة في شهر رمضان يفطر عليها أهل الجامع العتيق، عمرو بن العاص.
المدفع والزينة
ومع رؤية هلال رمضان تضاء المصابيح على جدران المساجد، والبيوت، وفي الشوارع، والحارات، وتعلن الفوانيس عن نفسها، فما من بيت إلا يعلق فانوساً، وما من طفل إلا يحمل واحداً وهو يغني أشهر أغنيات الشهر "وحوي يا وحوي".
غير أن بريق الفوانيس في مصر آخذ في الخفوت؛ بسبب الظروف الاقتصادية، والضغوط الحياتية، التي يعيشها المصريون.
ولصوت المدفع في شهر رمضان معنى مختلف، فهو علامة انتهاء الصيام وعلامة بدئه، فقبيل أذان المغرب يلتف المصريون حول موائدهم منتظرين إذن المدفع لهم بالإفطار، فيما ينتظرون منه أمراً بالامتناع عن الطعام قبيل الفجر.
وتعج الشوارع خلال الشهر برائحة الطعام، وتزداد الأواصر الاجتماعية قرباً، وتمتد العزائم من بيت لبيت، كما يحرص الناس في مساءات رمضان على الجلوس في المقاهي، وتناول السحور في الأحياء الإسلامية التاريخية، كحي الحسين، والسيدة زينب.
ورغم انشغال الناس بمسلسلات رمضان التي باتت تلتهم الوقت كما تلتهم النار القش، إلا أن المساجد تبقى عامرة بروادها خلال صلوات التراويح، وفي العشر الأواخر يحرص الآلاف على الصلاة التي تمتد حتى أذان الفجر.
ويعد إحياء ليلة القدر بمسجد عمرو بن العاص واحداً من أهم مظاهر الشهر، حيث يقف مئات الآلاف في الشوارع، وعلى أسطح البيوت، رافعين أكفهم بالدعاء إلى الله.
وفي هذا الشهر تحديداً تزداد الأمسيات والاحتفالات، وتعلن قلعة صلاح الدين، وبيت السحيمي، وشارع المعز لدين الله، عن نفسها، فتراها ملئية بالفعاليات الغنائية والشعرية، ويتحول الجامع الأزهر، وجامع الحسين، وعمرو بن العاص، إلى خلية صلاة، وذكر، وتهجد.
وفي هذا الشهر تزدهر تجارة الياميش، حيث يحرص الناس على شراء الزبيب، والتين، والمجفف، وقمر الدين، والتمر الهندي، والعرقسوس، وكلها تستخدم في وقت الإفطار إلى جانب التمر.
ولا يزال المصريون - رغم ما بهم من فاقة - يحرصون على الوقوف في الشوارع وقت الإفطار؛ لتوزيع الأطعمة والمشروبات على المارة، يستوي في هذا غنيهم وفقيرهم، تماماً كما يجلس الأغنياء والفقراء على موائد الرحمن إذا لم يدركوا الإفطار في بيوتهم.
ويعد رمضان موسماً لبائعي الطرشي، والعطارين، وبائعي المصاحف، وسجادات الصلاة، كما أنه موسم "المسحراتي"، الذي يطوف على البيوت لإيقاظ الناس للسحور، لقاء مال، أو طعام، أو كلمة طيبة.
ويحرص المصريون في هذا الشهر على التراحم، فيتبادلون عزائم الإفطار والسحور، ويصلحون بين المتخاصمين، كما أنهم يحرصون على اصطحاب المصحف معهم إلى كل مكان، فتجدهم يقرؤون القرآن في المواصلات، وفي الجامعات، وحتى في أماكن العمل.
وفي أواخر الشهر تضرم الأفران نارها؛ استقبالاً للكعك والبسكويت، رمزي عيد الفطر، كما تسهر العائلات رجالاً ونساء في البيوت لإعداد كعك العيد هذا.
ومع الإعلان عن انتهاء أيام رمضان تبدأ الاحتفالات بالعيد منذ المساء؛ فيخرج الناس للشوارع والمقاهي انتظاراً لصلاة العيد، ثم يعودون لبيوتهم وهم يتساءلون هل سيشهدون الصوم المقبل؟ أم أنهم سيقضونه في رحاب الله؟

تعليقات